حينما تكتشف الأم أن ابنها عاد من مدرسته ولم يأكل طعامه، فإنها تغضب، وتُلِح عليه في تناوله، وربما تهدده بالعقاب، ومع ذلك ربما يمر اليوم فلا تسأله، إذا كان قد صلى أم لا، رغم أن متابعتها لصلاته، أكثر نفعاً من إلحاحها عليه بالطعام، بل أن هذا الإلحاح قد يؤدي لنتائج عكسية.
فإذا أرادت الأم لابنها أن يأكل، فعليها أن تُقدم له الطعام بطريقة فاتحة لشهيته، وتضعه على المائدة من غير إلحاح، ولا تلح عليه في كمية الطعام التي ينبغي أن يأكلها، لأن هذا الإلحاح، يؤدي إلى نفور ذوي الشهية الضعيفة من الأكل، المهم أننا بإلحاحنا، نفسد عليهم استمتاعهم بالطعام.
ولنتأمل هذه المفارقة العجيبة، أهل الاختصاص أمروا الأمهات والآباء بألاَّ يُلِحُوا على أولادهم كي يتناولوا طعامهم، ومع ذلك فإنهم يخالفون ذلك، ويصرون على الإلحاح، رغم هذا النهي الصريح من أهل الاختصاص، وفي الوقت نفسه، فإنهم يهملون أمراً من رسول الله (ص)، وهو: أن يأمروا أولادهم بالصلاة، وكلمة ولد في اللغة، تشمل الأبناء والبنات، قال رسول الله(ص): "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفَرِقوا بينهم في المضاجع" نلاحظ هنا أن هذا الأمر النبوي ليس مُوجَّهاً للصبيان والبنات، ولكنه مُوَجَّه لأولياء أمورهم، فأوجب عليهم أن يأمروا أولادهم بالصلاة، فمن يُقصر في تنفيذ هذا الأمر، فقد قصَّر في تنفيذ أمر الله ورسوله، فإن الله تعالى أمَرنا في القرآن الكريم، بأن نطيع رسول الله(ص)، في كل أمر أو نهي، قال تعالى في الآية 7 من سورة الحشر: "ومَاآتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَّهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا".
من المهم أن نهتم بصحة أولادنا، ولكن الأهم أن نهتم بدينهم، وأحلامهم أي: عقولهم، فإن الأمم لاتُبنى بالأجسام فقط، وحتى لا ينطبق عليهم قول شاعر الرسول حسان بن ثابت: "لا عَيْبَ في القَوْمِ من طول ومن غِلَظٍ جسمُ البغال وأحلام العصافير".